الأدب العربي الحديث
ثانيا: النثر
قبل الحديث عن النثر في العصر الحديث ينبغي إلقاء نظرة سريعة عن حالته قبل هذا العصر، إذ تجمع كل الكتابات على أن النثر لم يكن أحسن حالا من الشعر حيث كانت الصناعة اللفظية في عصر الأتراك العثمانيين تحتل المحل الأول من أساليب الكتاب وكان السجع هو اللون الغالب في أساليبه الأمر الذي جعل المعاني تضيع في زحمة هذه الأسجاع ولا يكاد القارئ يلمح المعنى من بينها إلا كما يرى الرائي وميض الجمر من بين الرماد المتكاثف فالسجع سابق والمعنى لاحق وهو عين الأسلوب المتكلف ومنتهى التصنع في الكتابة.
( أ ) مراحل تطور النثر:
- المرحلة الأولى:
في النصف الأول من القرن التاسع عشر مرحلة التقليد وهو امتداد للعصرين المملوكي والعثماني وكان النثر فيه محدود الغرض تافه الفكرة ركيك الأسلوب مليء بالمحسنات البديعية المتكلفة مع استمرار السجع والصور الخيالية المملة
- المرحلة الثانية:
انبلج فجر العصر الحديث في القرن العشرين مرحلة الازدهار فكثير من العوامل ساعدت على تطوير النثر وإخراجه من قيود اللفظ المتكلف، وقد كانت الثورة العربية من بين العوامل التي جعلت النثر يعرف لنفسه إشراقه جديدة بظهور جماعة من الرواد أمثال جمال الدين الأفغاني وتلاميذه أمثال عبد الله النديم ومحمد عبده وكذا زعماء الحركة الوطنية من أمثال مصطفى كامل ومحمد فريد، كما نلمس في أسلوب هؤلاء الكتاب الرغبة في التخلص من علة المحسنات البديعية التي لا طائل منها والتي يضيع المعنى الشريف بين ثناياها.
تنوعت فنون النثر فشملت المقالة والقصة والمسرحية....الخ ومالت الأفكار إلى التجديد والابتكار والتحليل والترتيب وتحرر الأسلوب من المحسنات والمفردات الغريبة كما اتسم بالسهولة والوضوح
فقد ظهرت لذلك مدرستان هما:
مدرسة المحافظين:
وقد اهتموا بقوة الأداء وجمال الصياغة مع الاهتمام بالفكرة وأكثر روادها من ذوي الثقافة العربية فقد اهتموا بعرض القضايا العربية الإسلامية كما دافعوا عن تراثنا الإسلامي وأمجادنا
مدرسة المجددين:
وهم من الرواد الذين تأثروا بالثقافة الغربية وآدابها فأتوا إلى العربية بالجديد من الفكر والأساليب واهتموا بالنقد الأدبي والوضوح وعمق الفكرة والميل إلى التحليل كما عالجوا الفنون الحديثة في النثر كالقصة والمسرحية ومن رواد هذه المدرسة طه حسين وتوفيق الحكيم
(ب) تطور فنون النثر فى العصر الحديث:
1- المقالة:
لم يعرف العرب قبل العصر الحديث فن المقال في نثرهم، وإنما هو فن غربي أصيل جلبته إلينا الصحافة حين ظهرت في العصر الحديث وكل ما عرفه العرب في تراثنا الأدبي القديم وهي أطول من المقالة ولها نمط خاص من الصناعة والأسلوب كرسائل الجاحظ وغيره من الكتاب، وهناك فرق كبير بينهما: فالرسالة خاصة تكتب لصنف معين من المثقفين، أما المقالة فهي للجمهور، لأنها تكتب على صفحات الجرائد ليقرأها العام والخاص.
ومن ثم فإن المقالة صناعة العصر الحديث، ظهرت بظهور المطبعة والصحافة، وهي تتميز بتوخي السهولة والوضوح ليقف عليها عامة القراء، كما أنها تلتمس الأسلوب السهل الميسور، ويختار كتابها الألفاظ المعروفة للخاصة والعامة، وقد كان للصحافة أثر بالغ في تحديد هذه المميزات لأنها وعاء المقالة والوسيلة التي تقدم بها إلى القراء.
وقد كان لتطورنا السياسي والاجتماعي منذ أواسط القرن التاسع عشر أثر بالغ في تنويع فن المقالة فكان منها المقال الإصلاحي والسياسي والاجتماعي والفلسفي والأدبي والنقدي.
فقد ظهرت مقالات إصلاحية سياسية واجتماعية لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومصطفى كامل كما نشر قاسم أمين مقالاته عن تحرير المرأة في جريدة المؤيد سنة 1900.
أما المقالات الأدبية الخالصة فلم تظهر على صفحات الجرائد إلا في أوائل القرن العشرين ومن كتابها مصطفى لطفي المنفلوطي ثم بعد ذلك تدفق سيل من المقلات الأدبية بأقلام طه حسين وهيكل الرافعي ومن جاء بعدهم.
2- القصة الطويلة: (الرواية)
القصة الطويلة أو الرواية المعاصرة ليست فنا غربيا محضا، فقد كانت للعرب قصص في العصر الجاهلي وهي التي كانت تحكي أيام العرب ووقائعهم وحروبهم كما كانت لنا ملاحم في صدر الإسلام والعصر الأموي فقد ظهرت القصة العربية الخالصة وكانت بعضها بلغات ولهجات محلية كمقامات بديع الزمان الهمذاني في القرن الرابع وحاكاه بلغاء الكتاب من بعده.
وفي أيام المغول وعصر المماليك ظهرت ألوان من القصص الشعبي المشهور كقصة الظاهر بيبرس وسيف بن ذي يزن وذات الهمة وفيروز شاه هذا بالإضافة إلى قصة عنترة وأبي زيد الهلالي وألف ليلة وليلة.
وفي أواخر القرن التاسع عشر من العصر الحديث حين نشطت حركة الترجمة، ظهرت قصص مترجمة عن الأدب الغربي كقصة مغامرات تلماك التي ترجمها رفاعة رافع الطهطاوي رائد الترجمة الحديثة
وفي أوائل القرن العشرين ظهرت محاولات جديدة في التأليف القصصي تدور حول محاكاة التاريخ القصصي وكان فارس هذا الميدان جورجي زيدان، ولكن قصصه كانت أقرب إلى الحبكة التاريخية منها إلى التصوير القصصي.
وبعد الحرب العالمية الأولى ظهرت أول محاولة في القصص الحديث حين حاول الأدباء أن يبتكروا ذلك ابتكارا دون ترجمة، فتنوعت هذه المحاولات الفنية فمن الأدباء من حاول النسج القصصي ولكنه في إطار قديم من البلاغة اللفظية والسجعة مثل محمد المويلحي في حديث عيسى بن هاشم ومنهم من حاكى التاريخ القصصي في تراثنا بصورة جديدة متحررة من النسج القديم سواء في الاسلوب او الموضوع مثل محمد فريد أبو حديد واحمد باكثير وعلي الجازم.
هذه الألوان السابقة وعلى الرغم من ضخامة المجهود الذي بذله منشئوها لا تعتبر قصصا من النوع الإنشائي المبتكر وإنما هي أمشاج من المحاكاة والتصوير، أما أول كاتب قصصي مبتكر هو محمد حسين هيكل في قصته المشهورة زينب ألفها سنة 1913 وهو في فرنسا وفيها نلحظ الابتكار في الأسلوب، ثم تلاه طه حسين فأخرج الأيام، دعاء الكروان، شجرة البؤس وشهرزاد بطلة ألف ليلة وليلة، وآخرون مثل المازني في قصة إبراهيم الكاتب وعود على بدء ونلاحظ مثل ذلك عند العقاد في سارة.
3- القصة القصيرة:
والقصة القصيرة تختلف في تاريخها عن القصة الطويلة كل الاختلاف وعلى حين كانت القصة الطويلة ممتدة من الجذور في أعماق الأدب العربي، إن القصة القصيرة تعتبر أوربية محضة أخذناها عن الغرب مترجمين ومحاكين.
ويرجع تاريخ القصة القصيرة في أوربا إلى أوساط القرن التاسع عشر وأشهر مدارسها:
- مدرسة جي دي موباسان الفرنسي المتوفى سنة 1851م فهو أول من كتب قصة قصيرة وأكملت على يديه في الغرب
- مدرسة تشيخوف الروسي وقصصه تعالج شريحة من قطاع وتسمى لحسة من الحياة ولا يشترط فيها المراحل المعروفة في القصة وهي البداية والوسط والنهاية.
- مدرسة بلزاك وتعتمد على التحليل النفسي وهو وصف النفس البشرية والنزعات والدوافع وتحليل أشخاص الرواية
وفي القرن العشرين ظهرت:
- مدرسة سومرت ست موم
- أميلي ديطنسون
- ارنست هيمنقواي
ومن هنا نستدل أن ريادة القصة القصيرة منسوبة إلى الغرب عامة و فرنسا بصفة خاصة.
وهنا يحق لنا أن نسأل: كيف نشأت القصة القصيرة في مصر والشرق العربي؟ ولسنا نشك أن المحاكاة الفنية هي سبيل هذه النشأة وليس الخلق والإبداع. وأكثر مؤرخي القصة القصيرة وناقديها يعتقدون ان محمد تيمور هو أول واضع للقصة القصيرة في مصر ولكن المنهج العلمي الحديث أثبت خلاف هذا الزعم.
فقد مرت القصة القصيرة عندنا بثلاث مراحل هامة:
- المرحلة الأولى: وهي تمثل "مدرسة السفور" سنة 1915م ومن كتابها القصاصين محمود عزي وكان مديرها عبد الحميد حمدي
- المرحلة الثانية: المدرسة الحديثة في القصة سنة 1920م وكانت تضم أعضاء كثيرين منهم: محمد تيمور، طاهر لاشين ويحيى حقي.
- المرحلة الثالثة: مدرسة محمود كامل المحامي.
وقد أثبت الأديب علي كامل فيضي في بحث أدبي اطلعنا عليه بعد دراسة طويلة عكف عليها في مجلة السفور أن محمود عزي هو رائد القصة القصيرة في مصر وأنه تأثر بالقصاص الفرنسي جي دي موباسان.
ولكن نقاد القصة القصيرة ومؤرخيها يجمعون على ان محمد تيمور هو رائد القصة القصيرة في مصر. ومن هؤلاء يحيى حقي في كتابه "فجر القصة القصيرة" ومحمود تيمور في "قصص ومسرحيات" وعبد العزيز عبد المجيد في "الأقصوصة في الأدب العربي الحديث" وآخرون.
ويدافع الأديب علي فيضي عن وجهة نظره بأن قصص محمد تيمور لم تظهر إلا في سنة 1917م بالإضافة إلى أن القصة كانت أشبه باللوحات الفنية منها إلى مواصفات القصة الحقيقية فأول قصة قصيرة مكتملة ظهرت في مصر على صفحات مجلة السفور كانت لمحمود عزي وذلك في سنة 1915 وأول قصة له اسمها علي وسميرة ثم تتابعت قصصه في مجلة السفور فنشر ثلاث عشرة قصة قصيرة حتى سنة 1923م وقد عالج القصة الواقعية بأسلوب رومانسي على نسق القصة الموباسنية أي انه كان يشترط في هذه القصص أن يكون لها بداية ووسيط ونهاية غير متوقعة مع عنصر التشويق.
ومن ذلك نستخلص أن القصة القصيرة الغربية عند جي دي موباسان وان محمود عزي كان أول من عالج هذا الفن على صفحات مجلة السفور ثم تلاه محمد تيمور وتتابعت القصص القصيرة في المدارس الثلاث.
4- المسرحية:
والمسرحية في نثرنا المعاصر فن غربي أصيل لم نألفه قبل العصر الحديث وربما كان أول عهدنا بالمسرحية مع مشرق الحملة الفرنسية على مصر فقد أنشأت الحملة مسرحا للتمثيل كانت تمثل عل خشبته الروايات الفرنسية كل عشر ليال. ولكن المسرحيات المصرية لم تظهر إلا في عصر إسماعيل حين أنشأ دار الأوبرا وظهر مسرح يعقوب صنوع الذي كان يلقب بـ"موليير مصر".
في أوائل النصف الثاني من القرن العشرين نوابغ التأليف المسرحي يتقدمهم شيخهم توفيق الحكيم ونجح الحكيم في مهمته بسبب تمكنه من الثقافة الغربية وإتقانه الفرنسية وهي لغة المذاهب الأدبية المعاصرة. ومن ثم لقيت مسرحياته نجاحا منقطع النظير بل وأكثر من ذلك فإن أصدقاءه والمعجبين به من أدباء الغرب اخذوا يترجمون بعض مسرحياته ويمثلونها في مسارحهم.
ومن صناع المسرحيات أيضا محمود تيمور ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وعادل غضبان.
الاثنين، 19 يوليو 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق