الثلاثاء، 29 يونيو 2010

العصر العباسي

التحديد الزمني لهذا العصر
قامت الدولة العباسية بعد سقوط الدولة الأموية، وكان لسقوط الدولة الأموية أسباب كثيرة، منها: الصراع بين الأمويين وآل البيت، وكراهية الموالي للأمويين لتعصبهم للعرب،والنزاع بين القبائل العربية، وضعف الخلفاء الأمويين في آخرأيامهم
نتيجة الثورات وسقوط آخر خلفاء بني أمية في معركة الزّاب شمال العراق سنة 132 هـ أنشئت هذه الدولة ذات سيادة مستقلة

وتنتسب الدولة العباسية لجدهم العباس بن عبد المطلب، وقدعاشت الدولة أكثرمن خمسة قرون حتى سقطت على يد المغول سنة 656هـ

والعصر العباسي الطويل وإن كان ينسب إلى العباسيين إلا أن دولاً كثيرة قد نشأت أثناء هذا العصر. استقل بعضها عن الدولة العباسية استقلالاً تاماً كالدولة الأموية في الأندلس والدولة الفاطمية في المغرب ومصر، وظل بعضها الآخر يدين بالولاء الشكلي فقط للخليفة العباسي.
ولطول العصر العباسي فقد قسمه المؤرخون إلى عدة عصور، هي:
1- العصر العباسي الأول: ويبدأ من قيام الدولة عام 132هـ وينتهي بتولي المتوكل الخلافة عام 232هـامتاز بالنفوذ الفارسي، حكمه سبعة خلفاء، وهو عصر القوة والزهو.
2- العصر العباسي الثاني: ويبدأ من تولي المتوكل عام 232هـ. وينتهي بسيطرة البويهيين عام 334هـ. امتاز بالنفوذ التركي مع الخليفة المعتصم ، وفيه كان بدء الضعف.

3- العصر العباسي الثالث: ويبدأ بسيطرة البويهيين عام 334 هـ وينتهي ببدء نفوذ السلاجقة عام 447 هـ. امتاز بالنفوذ البديهي وهو عصر الضعف الفعلي وقيام الدويلات ومنها : الحمدانية في الموصل وحلب ، البويهية في شيراز ، الأخشيدية في الفسطاط بمصر …الخ.

4- العصر العباسي الرابع: ويبدأ بسيطرة السلاجقة عام 447 هـ. وينتهي بسقوط بغداد في يد هولاكو عام 656 هـ. وهو عصر الانحلال الذي انتهى بسقوط بغداد في أيدي المغول سنة 656هـ (1258م ) ، كما امتاز بالنفوذ السلجوقي .

وقد تابع بعض مؤرخي الأدب المؤرخين في هذا التقسيم، ورأى بعض الآخر أن يقسم العصر العباسي إلى قسمين فقط هما:
-
العصر العباسي الأول (132 هـ ـ 334 هـ)
-
العصر العباسي الثاني (334 هـ ـ 656 هـ)
وفي دراستنا للأدب العباسي لن نلتزم بالتقسيمات السياسية للعصر؛ لأن العصور الأدبية المختلفة تحمل بعض الخصائص والمؤثرات من العصور السابقة ويمتد أثرها إلى العصور اللاحقة ويصعب تحديدها بالأحداث السياسية، لكننا لن نهمل الإِشارة إلى التطورات التي مر بها الأدب العباسي في كل عصر من عصوره

مؤسس الدولة العباسية :أبو العباس السفاح

هو أول من جلس على عرش الدولة العباسية سنة 132 هـ، وفي يوم الجمعة أقام أبو العباس الخطبة على المنبر قائماً، وكان بنو أمية يخطبون قعوداً ، فحياه الناس وقالوا: " أحييت السنة يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم". وختم خطبته بقوله: "أنا السفاح المبح، والثائر المبيد"، فعرف من ثم بالسفاح .. وقد قضى السفاح معظم عهده في محاربة قواد العرب الذين ناصروا الدولة الأموية، وقضى على أعقاب الأمويين، حتى أنه لم يفلت منهم إلا عبدالرحمن الداخل مع نفر من أهله .. كذلك وجه السفاح همته إلى الفتك بمن والوا عبد الرحمن الداخل وساعدوه على تأسيس دولته في الأندلس، فقتل أبا سلمة الخلال، وهم بقتل أبي مسلم لولا أن المنية عاجلته .. وكان أبو العباس جميلاً وسيماً كريماً وقوراً سخياً، كثير الجباء .. وقد بقي في الخلافة أربع سنوات وتسعة أشهر ومات بالجدري في مدينة الأنبار التي اتخذها قاعدة لخلافته سنة 136 هـ، وكان ابن ثلاث وثلاثين سنة.

أولاً : الحياة السياسية

برزت في الجانب السياسي في هذا العصر بعض الإحداث ومنها:
- صارت بغداد عاصمة الدولة العباسية بدلا من دمشق ، فصار يؤمها الناس مكان من كل
- غلب عليها الطابع الفارسي بعكس ما كان في الدولة الأموية التي كانت عربية خالصة
- أخذ العباسيون عن الفرس نظام الوزارة ، وقلدوهم في أنظمة الحكم والزي والملبس
- تميز العصر العباسي الثاني بالتفكك والانقسام وتعدد الدويلات مثل:
الحمدانية في دمشق والفاطمية في مصر البويهية في العراق السامانية في فارس

- ظهور عدة ثورات وفتن كفتنة القرامطة التي قتل فيها خلق كثير.

- ظهور العنصر التركي وخاصة في بداية خلافة المعتصم الذي تولى الخلافة بعد المأمون سنة 218 هـ وهي ما سمي اصطلاحاً العصر العباسي الثاني الذي اختفت فيه ملامح الحياة السياسية والاجتماعية والعقلية حيث بنى المعتصم للأتراك مدينة سمراء، وفي خلافة الواثق استبد الأتراك في الحكم وظهرت فتن كثيرة وخاصة بعد مقتل الخليفة المتوكل، فاستمر هذا الضعف في العباسين إلى أن سقطت على يد المغول سنة 656هـ .

2- الحياة الاجتماعية:

كانت الحياة الاجتماعية في العصر العباسي بشكل عام حياة ترف ونعيم بجميع طبقاته :

1- طبقة الحكام والخلفاء : لقد توافرت لهم وسائل الترفيه والمتعة والترف. فكانوا يجزلون العطاء للعلماء والأدباء مما ساعد على ازدهار الحركة العلمية آنذاك .
وكذلك زاولوا وسائل عديدةً ترفيهية مثل سباق الخيل، وسباق الحمام الزاجل، ولعبة الصولجان،
والشطرنج، والنرد، وصيد الغزلان والطيور .
2- طبقة العامة : لقد عاشت هذه الطبقة على حياة البؤس والشقاء وتحمُّل أعباء الحياة البائسة .
أما حياتهم الترفيهية فكانت قائمة على مشاهدة القرّادين، والاستماع إلى القصص والحكايات الشعبية وتداول الأساطير والأخبار، وقد تولدت من هذه المجالس حكايات مشهورة مثل : ألف ليلة وليلة، والسير الشعبية .

ومع هذا لم يكن المجتمع كله في العصر العباسي مجتمع لهو وترف، فقد كان المجتمع مجتمعاً إسلاميا وكانت الغالبية فيه مقيمة على الإسلام متمسكة بفرائضه وسننه وشعائره، وساخطة على مظاهر اللهو والترف والزندقة.

أهم المظاهر التي برزت في العصر العباسي

1- ظهور طبقتين متغايرتين في المجتمع : طبقة تنعم بالرخاء وسعة العيش، وأخرى تجد صعوبة في العيش .
2- ازدياد حركة العمران، كبناء القصور الفاخرة، والمساجد الفخمة، وتزيين العاصمة بزينة لا مثيل لها .
3- ازدهار فن الغناء، وكثرة الموسيقيين، وتطور آلاتهم وألحانهم .

4- ازدياد نيران الشعوبية التي لم تكن كانت منحصرة فقط على المفاضلة بين العرب والفرس فحسب بل امتدت إلى المفاضلة بين العرب وغيرهم من أبناء الشعوب الأخرى .

5- انتشار المجون والانحلال والزندقة بسبب اختلاط العرب بأبناء الأمم الأخرى .

3- الحياة الدينية

كانت الدولة العباسية دولة دينية ، مزجت السياسة بالدين كما أسلفنا الذكر.
كان بعض الفرس يحنون لعقائدهم القديمة و يعملون على بثها بين البسطاء من المسلمين ضعاف العقول و الإيمان ، فظهر فريق من الزنادقة الفرس نشروا مذاهبهم الفاسدة والعقائد المجوسية ، وكذلك نشروا مذاهب :
أ- الزرادشتية : نسبة إلى زرادشت ،نبي الفرس القدامى و مصلح ديانتهم الأولى حوالي 583 ق م، ومن أتباعه الأخمينيون و الساسانيون

ب- و المزدكية : نسبة إلى مزدك الفارسي الذي ظهر في أواخر القرن الخامس الميلادي ، دعا إلى إصلاح ديني وثورة اجتماعية، وبشر باشتراكية الأموال والنساء ، وانتشرت دعوته في عهد قباذا، و تنج عنها اضطرابات و فتن نحو 529 م فأعدمه كسرى أنوشروان ،وأعاد الزرادشتية .

ج - المانوية : نسبة إلى ماني القائل بإلهي الخير والشر أو الظلمة والنور، أعدمه بهرام بتحريض من الكهنة المزديين نحو 277 م.

وعظم خطر الزنادقة في عهد الخليفة المهدي فنكل بهم وقتل منهم حتى من كان من شعرائه ووزرائه و خاصته ، فقتل بشار بن برد ، وعبد الله بن عبيد الله بن معاوية بن يسار.

4- الحياة الثقافية :

انعكست الحياة السياسية و الاجتماعية و الدينية على الحياة الفكرية ، و لعبت العناصر الدخيلة من فرس ومجوس ونبط واليونانيين دورا خطيرا في ذلك ، فظهر امتزاج فكري مثل خليطا عربيا أعجميا ، وأما عوامل ازدهار الحركة الفكرية فتجمل أهمها في :

أ-ظهور المذاهب الدينية : التي ناقشت القضايا الدينية و العقائدية استنادا إلى العقل ، فظهرت فرقة المعتزلة واشتغالهم بعلم الكلام ، وتناولوا في الخلافة المأمون مسألة خلق القرآن ، وقد كان المأمون شيعيا وسن مبدأ الحرية الدينية والمذهبية وطبق ذلك في عصره ، فكان هو شيعيا و يحي بن أكثم قاضي قضاته سنيّا ، ووزيره أحمد بن أبي ذؤاد معتزليا . ووافق المأمون على مسألة خلق " القرآن " و خالف جمهور علماء السنّة ، فكانت بلاء عظيما عليهم في خلافة المأمون والمعتصم والواثق ، وفتن فيها الإمام أحمد بن حنبل.

ب- تشجيع الوزراء و الكتاب :
كان وزراء وكتاب تلك العصور يشبهون خلفاءهم ويقلدونهم فشجعوا الأدب والفكر والترجمة، و أقاموا مجالس للمناظرة والمنافسة في وزاراتهم و بيوتهم تماما مثل الخلفاء .
جـ- دور الموالي في الحياة الأدبية :
بفضل حرية الفكر والمساواة والتشجيع الذي حظي به الموالي عملوا على منافسة العرب في ميادين اختصاصهم – الشعر و النثر – و نبغ منهم الكثير

د- تشجيع الخلفاء للأدب و العلوم
- كان الخلفاء أهل قوة و كفاح في تثبيت سلطان الدولة الجديدة كما كانوا أهل الخطابة ورسائل دامغة الحجة ، فنتج عنه أن أصبح ذلك العصر عصر خطابة و كتابة .
-كان الخلفاء أهل شعر رواية و سماعا ونقدا وتذوقا ، فشجعوا الشعر بالعطايا والمنافسة والمفاضلة فأدى ذلك إلى نهضة الشعر .
- شجعوا كذلك العلوم من شرعية ولسانية وفلسفية منذ المنصور إلى الرشيد إلى المأمون فكان عصر النشأة العلمية لمتنوع العلوم والفنون وعصر الترجمة أيضا .

- لقد نشطت العلوم في وخاصة اللغة العربية باعتبارها لغة الدين، وكان الفرس المسلمون أكثر الناس اهتماماً باللغة العربية وفهم أسرارها حتى نبغ منهم خلق كثير ليكونوا في المناصب العليا في الدولة وخاصة منصب الوزارة فهذه المناصب لا يصل إليها إلى العالم باللغة والمتأدب بآدابها، وكان الفرس حريصين على هذه المناصب ، فنبغ في آخر العصر الأموي كتاباً كانوا رواداً للنثر الفني مثل : عبد الحميد الكاتب .

علماء العصر العباسي وعلومهم
1- الشعر
لقد عني علماء اللغة في البصرة والكوفة بجمع ألفاظ اللغة وأشعار العرب في الجاهلية والإسلام؛ لحاجة من دخل الإسلام من غير العرب إلى إتقان لغة الدين، وكذلك عدم تفشي اللحن على ألسنة المستعربين .
وقد تعاقب ثلاثة أجيال من علماء البصرة لهذا العلم :
الجيل الأول ويمثله أبو عمرو بن العلاء ( ت 154هـ )
الجيل الثاني ويمثله الأصمعي ( ت 213)
الجيل الثالث ويمثله محمد بن سلام الجمحي ومن علماء الكوفة اشتهر المفضل الضبي، وابن الأعرابي .

2- علم النحو: لم يكن علم النحو أقل اهتماماً من العلوم الأخرى، فقد برز فيه الخليل بن أحمد الذي وضع أسسه، ثم تلميذه سيبويه صاحب كتاب (الكتاب) وهو كتاب قيم ومرجع مهم للنحويين .
3- العلوم الدينية
لقد ظهر علماء نذروا حياتهم لخدمة الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهم:

في التفسير: سفيان بن عيينة ، وكيع بن جراح ،إسحاق بن راهويه
في الفقه والحديث: عبد الملك بن جريج ، حماد بن سلمة ، سفيان الثوري
بالإضافة إلى تأسيس المذاهب الفقهية الأربعة وهم الأمام أبو حنيفة، ومالك والشافعي واحمد بن حنبل وكذلك ألفت كتب الصحاح الستة

4- علم التاريخ

- اهتمام علم التاريخ في البدء بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم انضمت إليه تاريخ الرسل .
- الاهتمام بجمع الأشعار ورواتها لمعرفة تاريخ العرب الجاهلي والإسلامي وتاريخ الأمم المجاورة للجزيرة العربية وخاصة الفرس . وكذلك الاهتمام بما يروى من الأحاديث لاستقاء السيرة النبوية .
- الاعتناء بالقصص عن الأنبياء والرسل لتوضيح جانب من القصص القرآني للوعظ والتذكير باليوم الأخر .
ومن أشهر المؤرخين في بداية العصر العباسي محمد بن إسحاق المتوفى سنة 150هـ

5- علوم أخرى
لقد نهضت العلوم الأخرى بتأثير الترجمات الكثيرة، فنبغ مجموعة من العلماء النبهاء في كل علم، كالجغرافيا، الطب، والكيمياء والفلك والرياضيات، وغيرها .
وبالرغم من حياة الضعف التي ظهرت على الدولة العباسية إلا أنها في الجانب الثقافي والعلمي نشطت نشاطاً كبيراً، فالمعلمون يؤدون دورهم والمساجد تزخر بطلاب العلم، والخلفاء يخصصون رواتب للمعلمين حسب مكانتهم العلمية. فالزجاج كان يأخذ راتباً من الخليفة المعتضد في الفقهاء وراتباً في العلماء، وراتباً في الندماء، فبلغ راتبه من الدولة ثلاثمائة دينار شهرياً .
وكذلك تنافس الخلفاء والوزراء وحكام الولايات في تشجيع العلماء والأدباء بمنحهم الجوائز والرواتب على مؤلفاتهم وإنتاجهم الفني، وكان تعدد الدويلات دافعاً في تنافس أمرائها في جذب ذوي العقول والمواهب والإقامة لديهم والتعليم في مدنهم وقصورهم، فأضحت حلب والقاهرة والقيروان وغيرها مراكز للعلم والأدب، وليست بغداد فقط .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق