الثلاثاء، 29 يونيو 2010

العصر العباسي

التحديد الزمني لهذا العصر
قامت الدولة العباسية بعد سقوط الدولة الأموية، وكان لسقوط الدولة الأموية أسباب كثيرة، منها: الصراع بين الأمويين وآل البيت، وكراهية الموالي للأمويين لتعصبهم للعرب،والنزاع بين القبائل العربية، وضعف الخلفاء الأمويين في آخرأيامهم
نتيجة الثورات وسقوط آخر خلفاء بني أمية في معركة الزّاب شمال العراق سنة 132 هـ أنشئت هذه الدولة ذات سيادة مستقلة

وتنتسب الدولة العباسية لجدهم العباس بن عبد المطلب، وقدعاشت الدولة أكثرمن خمسة قرون حتى سقطت على يد المغول سنة 656هـ

والعصر العباسي الطويل وإن كان ينسب إلى العباسيين إلا أن دولاً كثيرة قد نشأت أثناء هذا العصر. استقل بعضها عن الدولة العباسية استقلالاً تاماً كالدولة الأموية في الأندلس والدولة الفاطمية في المغرب ومصر، وظل بعضها الآخر يدين بالولاء الشكلي فقط للخليفة العباسي.
ولطول العصر العباسي فقد قسمه المؤرخون إلى عدة عصور، هي:
1- العصر العباسي الأول: ويبدأ من قيام الدولة عام 132هـ وينتهي بتولي المتوكل الخلافة عام 232هـامتاز بالنفوذ الفارسي، حكمه سبعة خلفاء، وهو عصر القوة والزهو.
2- العصر العباسي الثاني: ويبدأ من تولي المتوكل عام 232هـ. وينتهي بسيطرة البويهيين عام 334هـ. امتاز بالنفوذ التركي مع الخليفة المعتصم ، وفيه كان بدء الضعف.

3- العصر العباسي الثالث: ويبدأ بسيطرة البويهيين عام 334 هـ وينتهي ببدء نفوذ السلاجقة عام 447 هـ. امتاز بالنفوذ البديهي وهو عصر الضعف الفعلي وقيام الدويلات ومنها : الحمدانية في الموصل وحلب ، البويهية في شيراز ، الأخشيدية في الفسطاط بمصر …الخ.

4- العصر العباسي الرابع: ويبدأ بسيطرة السلاجقة عام 447 هـ. وينتهي بسقوط بغداد في يد هولاكو عام 656 هـ. وهو عصر الانحلال الذي انتهى بسقوط بغداد في أيدي المغول سنة 656هـ (1258م ) ، كما امتاز بالنفوذ السلجوقي .

وقد تابع بعض مؤرخي الأدب المؤرخين في هذا التقسيم، ورأى بعض الآخر أن يقسم العصر العباسي إلى قسمين فقط هما:
-
العصر العباسي الأول (132 هـ ـ 334 هـ)
-
العصر العباسي الثاني (334 هـ ـ 656 هـ)
وفي دراستنا للأدب العباسي لن نلتزم بالتقسيمات السياسية للعصر؛ لأن العصور الأدبية المختلفة تحمل بعض الخصائص والمؤثرات من العصور السابقة ويمتد أثرها إلى العصور اللاحقة ويصعب تحديدها بالأحداث السياسية، لكننا لن نهمل الإِشارة إلى التطورات التي مر بها الأدب العباسي في كل عصر من عصوره

مؤسس الدولة العباسية :أبو العباس السفاح

هو أول من جلس على عرش الدولة العباسية سنة 132 هـ، وفي يوم الجمعة أقام أبو العباس الخطبة على المنبر قائماً، وكان بنو أمية يخطبون قعوداً ، فحياه الناس وقالوا: " أحييت السنة يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم". وختم خطبته بقوله: "أنا السفاح المبح، والثائر المبيد"، فعرف من ثم بالسفاح .. وقد قضى السفاح معظم عهده في محاربة قواد العرب الذين ناصروا الدولة الأموية، وقضى على أعقاب الأمويين، حتى أنه لم يفلت منهم إلا عبدالرحمن الداخل مع نفر من أهله .. كذلك وجه السفاح همته إلى الفتك بمن والوا عبد الرحمن الداخل وساعدوه على تأسيس دولته في الأندلس، فقتل أبا سلمة الخلال، وهم بقتل أبي مسلم لولا أن المنية عاجلته .. وكان أبو العباس جميلاً وسيماً كريماً وقوراً سخياً، كثير الجباء .. وقد بقي في الخلافة أربع سنوات وتسعة أشهر ومات بالجدري في مدينة الأنبار التي اتخذها قاعدة لخلافته سنة 136 هـ، وكان ابن ثلاث وثلاثين سنة.

أولاً : الحياة السياسية

برزت في الجانب السياسي في هذا العصر بعض الإحداث ومنها:
- صارت بغداد عاصمة الدولة العباسية بدلا من دمشق ، فصار يؤمها الناس مكان من كل
- غلب عليها الطابع الفارسي بعكس ما كان في الدولة الأموية التي كانت عربية خالصة
- أخذ العباسيون عن الفرس نظام الوزارة ، وقلدوهم في أنظمة الحكم والزي والملبس
- تميز العصر العباسي الثاني بالتفكك والانقسام وتعدد الدويلات مثل:
الحمدانية في دمشق والفاطمية في مصر البويهية في العراق السامانية في فارس

- ظهور عدة ثورات وفتن كفتنة القرامطة التي قتل فيها خلق كثير.

- ظهور العنصر التركي وخاصة في بداية خلافة المعتصم الذي تولى الخلافة بعد المأمون سنة 218 هـ وهي ما سمي اصطلاحاً العصر العباسي الثاني الذي اختفت فيه ملامح الحياة السياسية والاجتماعية والعقلية حيث بنى المعتصم للأتراك مدينة سمراء، وفي خلافة الواثق استبد الأتراك في الحكم وظهرت فتن كثيرة وخاصة بعد مقتل الخليفة المتوكل، فاستمر هذا الضعف في العباسين إلى أن سقطت على يد المغول سنة 656هـ .

2- الحياة الاجتماعية:

كانت الحياة الاجتماعية في العصر العباسي بشكل عام حياة ترف ونعيم بجميع طبقاته :

1- طبقة الحكام والخلفاء : لقد توافرت لهم وسائل الترفيه والمتعة والترف. فكانوا يجزلون العطاء للعلماء والأدباء مما ساعد على ازدهار الحركة العلمية آنذاك .
وكذلك زاولوا وسائل عديدةً ترفيهية مثل سباق الخيل، وسباق الحمام الزاجل، ولعبة الصولجان،
والشطرنج، والنرد، وصيد الغزلان والطيور .
2- طبقة العامة : لقد عاشت هذه الطبقة على حياة البؤس والشقاء وتحمُّل أعباء الحياة البائسة .
أما حياتهم الترفيهية فكانت قائمة على مشاهدة القرّادين، والاستماع إلى القصص والحكايات الشعبية وتداول الأساطير والأخبار، وقد تولدت من هذه المجالس حكايات مشهورة مثل : ألف ليلة وليلة، والسير الشعبية .

ومع هذا لم يكن المجتمع كله في العصر العباسي مجتمع لهو وترف، فقد كان المجتمع مجتمعاً إسلاميا وكانت الغالبية فيه مقيمة على الإسلام متمسكة بفرائضه وسننه وشعائره، وساخطة على مظاهر اللهو والترف والزندقة.

أهم المظاهر التي برزت في العصر العباسي

1- ظهور طبقتين متغايرتين في المجتمع : طبقة تنعم بالرخاء وسعة العيش، وأخرى تجد صعوبة في العيش .
2- ازدياد حركة العمران، كبناء القصور الفاخرة، والمساجد الفخمة، وتزيين العاصمة بزينة لا مثيل لها .
3- ازدهار فن الغناء، وكثرة الموسيقيين، وتطور آلاتهم وألحانهم .

4- ازدياد نيران الشعوبية التي لم تكن كانت منحصرة فقط على المفاضلة بين العرب والفرس فحسب بل امتدت إلى المفاضلة بين العرب وغيرهم من أبناء الشعوب الأخرى .

5- انتشار المجون والانحلال والزندقة بسبب اختلاط العرب بأبناء الأمم الأخرى .

3- الحياة الدينية

كانت الدولة العباسية دولة دينية ، مزجت السياسة بالدين كما أسلفنا الذكر.
كان بعض الفرس يحنون لعقائدهم القديمة و يعملون على بثها بين البسطاء من المسلمين ضعاف العقول و الإيمان ، فظهر فريق من الزنادقة الفرس نشروا مذاهبهم الفاسدة والعقائد المجوسية ، وكذلك نشروا مذاهب :
أ- الزرادشتية : نسبة إلى زرادشت ،نبي الفرس القدامى و مصلح ديانتهم الأولى حوالي 583 ق م، ومن أتباعه الأخمينيون و الساسانيون

ب- و المزدكية : نسبة إلى مزدك الفارسي الذي ظهر في أواخر القرن الخامس الميلادي ، دعا إلى إصلاح ديني وثورة اجتماعية، وبشر باشتراكية الأموال والنساء ، وانتشرت دعوته في عهد قباذا، و تنج عنها اضطرابات و فتن نحو 529 م فأعدمه كسرى أنوشروان ،وأعاد الزرادشتية .

ج - المانوية : نسبة إلى ماني القائل بإلهي الخير والشر أو الظلمة والنور، أعدمه بهرام بتحريض من الكهنة المزديين نحو 277 م.

وعظم خطر الزنادقة في عهد الخليفة المهدي فنكل بهم وقتل منهم حتى من كان من شعرائه ووزرائه و خاصته ، فقتل بشار بن برد ، وعبد الله بن عبيد الله بن معاوية بن يسار.

4- الحياة الثقافية :

انعكست الحياة السياسية و الاجتماعية و الدينية على الحياة الفكرية ، و لعبت العناصر الدخيلة من فرس ومجوس ونبط واليونانيين دورا خطيرا في ذلك ، فظهر امتزاج فكري مثل خليطا عربيا أعجميا ، وأما عوامل ازدهار الحركة الفكرية فتجمل أهمها في :

أ-ظهور المذاهب الدينية : التي ناقشت القضايا الدينية و العقائدية استنادا إلى العقل ، فظهرت فرقة المعتزلة واشتغالهم بعلم الكلام ، وتناولوا في الخلافة المأمون مسألة خلق القرآن ، وقد كان المأمون شيعيا وسن مبدأ الحرية الدينية والمذهبية وطبق ذلك في عصره ، فكان هو شيعيا و يحي بن أكثم قاضي قضاته سنيّا ، ووزيره أحمد بن أبي ذؤاد معتزليا . ووافق المأمون على مسألة خلق " القرآن " و خالف جمهور علماء السنّة ، فكانت بلاء عظيما عليهم في خلافة المأمون والمعتصم والواثق ، وفتن فيها الإمام أحمد بن حنبل.

ب- تشجيع الوزراء و الكتاب :
كان وزراء وكتاب تلك العصور يشبهون خلفاءهم ويقلدونهم فشجعوا الأدب والفكر والترجمة، و أقاموا مجالس للمناظرة والمنافسة في وزاراتهم و بيوتهم تماما مثل الخلفاء .
جـ- دور الموالي في الحياة الأدبية :
بفضل حرية الفكر والمساواة والتشجيع الذي حظي به الموالي عملوا على منافسة العرب في ميادين اختصاصهم – الشعر و النثر – و نبغ منهم الكثير

د- تشجيع الخلفاء للأدب و العلوم
- كان الخلفاء أهل قوة و كفاح في تثبيت سلطان الدولة الجديدة كما كانوا أهل الخطابة ورسائل دامغة الحجة ، فنتج عنه أن أصبح ذلك العصر عصر خطابة و كتابة .
-كان الخلفاء أهل شعر رواية و سماعا ونقدا وتذوقا ، فشجعوا الشعر بالعطايا والمنافسة والمفاضلة فأدى ذلك إلى نهضة الشعر .
- شجعوا كذلك العلوم من شرعية ولسانية وفلسفية منذ المنصور إلى الرشيد إلى المأمون فكان عصر النشأة العلمية لمتنوع العلوم والفنون وعصر الترجمة أيضا .

- لقد نشطت العلوم في وخاصة اللغة العربية باعتبارها لغة الدين، وكان الفرس المسلمون أكثر الناس اهتماماً باللغة العربية وفهم أسرارها حتى نبغ منهم خلق كثير ليكونوا في المناصب العليا في الدولة وخاصة منصب الوزارة فهذه المناصب لا يصل إليها إلى العالم باللغة والمتأدب بآدابها، وكان الفرس حريصين على هذه المناصب ، فنبغ في آخر العصر الأموي كتاباً كانوا رواداً للنثر الفني مثل : عبد الحميد الكاتب .

علماء العصر العباسي وعلومهم
1- الشعر
لقد عني علماء اللغة في البصرة والكوفة بجمع ألفاظ اللغة وأشعار العرب في الجاهلية والإسلام؛ لحاجة من دخل الإسلام من غير العرب إلى إتقان لغة الدين، وكذلك عدم تفشي اللحن على ألسنة المستعربين .
وقد تعاقب ثلاثة أجيال من علماء البصرة لهذا العلم :
الجيل الأول ويمثله أبو عمرو بن العلاء ( ت 154هـ )
الجيل الثاني ويمثله الأصمعي ( ت 213)
الجيل الثالث ويمثله محمد بن سلام الجمحي ومن علماء الكوفة اشتهر المفضل الضبي، وابن الأعرابي .

2- علم النحو: لم يكن علم النحو أقل اهتماماً من العلوم الأخرى، فقد برز فيه الخليل بن أحمد الذي وضع أسسه، ثم تلميذه سيبويه صاحب كتاب (الكتاب) وهو كتاب قيم ومرجع مهم للنحويين .
3- العلوم الدينية
لقد ظهر علماء نذروا حياتهم لخدمة الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهم:

في التفسير: سفيان بن عيينة ، وكيع بن جراح ،إسحاق بن راهويه
في الفقه والحديث: عبد الملك بن جريج ، حماد بن سلمة ، سفيان الثوري
بالإضافة إلى تأسيس المذاهب الفقهية الأربعة وهم الأمام أبو حنيفة، ومالك والشافعي واحمد بن حنبل وكذلك ألفت كتب الصحاح الستة

4- علم التاريخ

- اهتمام علم التاريخ في البدء بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم انضمت إليه تاريخ الرسل .
- الاهتمام بجمع الأشعار ورواتها لمعرفة تاريخ العرب الجاهلي والإسلامي وتاريخ الأمم المجاورة للجزيرة العربية وخاصة الفرس . وكذلك الاهتمام بما يروى من الأحاديث لاستقاء السيرة النبوية .
- الاعتناء بالقصص عن الأنبياء والرسل لتوضيح جانب من القصص القرآني للوعظ والتذكير باليوم الأخر .
ومن أشهر المؤرخين في بداية العصر العباسي محمد بن إسحاق المتوفى سنة 150هـ

5- علوم أخرى
لقد نهضت العلوم الأخرى بتأثير الترجمات الكثيرة، فنبغ مجموعة من العلماء النبهاء في كل علم، كالجغرافيا، الطب، والكيمياء والفلك والرياضيات، وغيرها .
وبالرغم من حياة الضعف التي ظهرت على الدولة العباسية إلا أنها في الجانب الثقافي والعلمي نشطت نشاطاً كبيراً، فالمعلمون يؤدون دورهم والمساجد تزخر بطلاب العلم، والخلفاء يخصصون رواتب للمعلمين حسب مكانتهم العلمية. فالزجاج كان يأخذ راتباً من الخليفة المعتضد في الفقهاء وراتباً في العلماء، وراتباً في الندماء، فبلغ راتبه من الدولة ثلاثمائة دينار شهرياً .
وكذلك تنافس الخلفاء والوزراء وحكام الولايات في تشجيع العلماء والأدباء بمنحهم الجوائز والرواتب على مؤلفاتهم وإنتاجهم الفني، وكان تعدد الدويلات دافعاً في تنافس أمرائها في جذب ذوي العقول والمواهب والإقامة لديهم والتعليم في مدنهم وقصورهم، فأضحت حلب والقاهرة والقيروان وغيرها مراكز للعلم والأدب، وليست بغداد فقط .

الاثنين، 21 يونيو 2010

الأدب في العصر الأموي
بدأ العصر الأموي بتولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة سنة 40 هـ وانتهى سنة 132 هـ بسقوط الدولة الأموية على يد بني العباس، وبهذا يكون العصر الأموي قد امتد قرابة تسعين سنة. وكان الخلفاء في مطلع الدولة أقوياء، وبخاصة معاوية ومروان بن الحكم وابنه عبد الملك وأحفاده الوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز، ولكن جاء فيما بعد ذلك خلفاء بعضهم ضعيف وبعضهم مستهتر، فكان ذلك سبباً في تأخر الدولة الأموية ، ثم سقوطها في النهاية.

الحياة السياسية

تميّزت الحياة السياسية في العصر الأموي بالانقسامات الحزبية والأحزاب السياسية المتعدِّدة التي تطالب بحقها في الخلافة. ومن أبرز الأحزاب السياسية في هذا العصر هي:
1- العلويون أو الهاشميون . 2- الزبيريون . 3- الخوارج . 4- الأمويون .
وحين تدفّقت الأموال من جميع أنحاء الدولة إلى الشام، كثر التّرف، ثم عمّ الرخاء سائر البلاد، وكان الحجاز قطراً فقيراً غير ذي زرع، وكان فيه كثير من أبناء الصحابة، فرأى بنو أميّة أن يغرقوا الحجاز بالأموال ليشيع التَّرَف، فينصرف السكان هناك عن الخلافة وشئونها إلى الحياة المترفة الجديدة، ولذلك شاع في الحجاز التَّرف وكثرت الجواري والمغنيات ، حتى لقد عدّد صاحب كتاب الأغاني أربعين مغنية بالمدينة وحدها. ونبغ في الغناء محترفون كمعبد والغريض وغيرهما ، وشاع شعر الغزَل حتى اختص به بعض الشعراء، وعلى الجملة فقد تغيرت حياة العرب الاجتماعية كثيراً، ولولا أن عدداً كبيراً من الجنود ظل مجاهداً في سبيل الله، سائراً في حركة الفتوح لجر الترف على المجتمع ويلات كثيرة .

الحياة الاجتماعية
كانت حضارة العرب بعد الفتوحات الإسلامية حضارة عظيمة، ويرجع سبب عظمتها إلى عاملين: أولهما: بيئة المسلمين الحديثة التي ترغمهم على التحضر والتمدن، وشتان بين الهلال الخصيب في العراق والشام ووادي النيل، وبين صحراء الجزيرة العربية المجدبة.
والعامل الثاني: ذكاء المسلمين وثقافتهم الأولى فقد استطاعوا أن يهضموا ويتمثلوا الحضارات التي وجدوها في الأمصار المفتوحة، في حين فشل غيرهم من الفاتحين كالبرابرة مثلا في هضم ما بقي من الحضارة اللاتينية.
أدت عملية الامتزاج والاندماج هذه إلى آثارٍ اجتماعية بعضها حسن وبعضها الآخر ضار. أما الآثار الحسنة فقد حَلَّ هذا الاندماج محل التنظيمات القبلية القديمة، فقد كان تحول سكان الأمصار المفتوحة عن أديانهم القديمة سببًا في إدخالهم ضمن التنظيم القبلي، ولكن هذا التنظيم قد بدأ يفقد شيئا من قيمته الاجتماعية، فقد أدَّى اختلاط السكان إلى أن أصبح النظام القبلي نظاما مصطنع، فقد تقارب الأفراد بفضل اعتقاداتهم أو مصالحهم مما أدى إلى اندماجهم في جماعاتٍ جديدة حلَّت محلَّ التنظيمات القبلية القديمة، كما يرجع إلى المسلمين الفضل في إزالة نظام الطبقات البغيض الذي كان موجودًا في معظم هذه الأمصار، وخاصة الدولة الفارسية فضلا عن إخراج الفُرْس من ظلمات المجوسية إلى نور الإسلام.
أما الآثار الاجتماعية السيئة التي أدَّى إليها الامتزاج والاندماج فمنها ظهور مشكلة التوفيق بين مصالح الطبقات المتضادة بين العربي وغير العربي بين الغني والفقير، وبين الحر والعبد، وبين أصحاب العمل والأراضي وعمالهم وفلاحيهم، وقد ظهرت هذه المشكلة بعد اندماج الأمة العربية في غيرها من الأمم المختلفة ذات الحضارات القديمة والأديان المتباينة، ونتج عن ذلك حالة اجتماعية جديدة توترت العلاقات فيها بين بعض طبقات المجتمع الإسلامي مما أدَّى إلى سقوط الدولة الأموية العربية وتجلَّى هذا التوتر في الصراع الدائم بين العرب وآمال الفرس، والحرب بين النظم الاجتماعية العربية البسيطة والنظم الاجتماعية الفارسية، ولم ينجح العرب في حل هذه المشاكل الاجتماعية تماما رغم نجاحهم في نشر الإسلام واللغة العربية.
عناصر المجتمع أولا: العرب:
كانت العصبية هي أهم مميزات حياة العرب في الدولة العربية الإسلامية بل كانت المحور الذي تدور حوله حياتهم السياسية و الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، واتخذت عصبية العرب ثلاثة مظاهر:
أولها: العصبية القبلية.
ثانيها: العصبية للمدينة.
ثالثها: العصبية الإقليمية.
ثانيا: الموالي:
إن القاريء للتاريخ الإسلامي سوف يلحظ أن الموالي كان لهم دورهم السياسي والعلمي في الدولة الأموية؛ فقد قاموا بأعمال الفتوحات الواسعة كقادة الجيش قاموا بأعمال التنظيم الإداري؛ كالقيام على أمر الدواوين وتعربيها ثم كعلماء بَزُّوا العرب في ذلك، ويمكن القول إن الموالي كانوا على ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى: موالي العرب ومن الموالى الذين وصلوا الإمارة: موسى بن نصير، وكان والده من سبي عين التمر، وولى أبو المهاجر دينار مولى الأنصار إفريقية 47 هـ، وتولى يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج ولاية إفريقية أيضا، وكان من الموالى، ولما قُتِلَ ولوا محمد بن يزيد مولى الأنصار سنة 102 هـ وغيرهم
الطبقة الثانية من الموالى: وهم العلماء الذين انخرطوا في طلب العلم، واستطاعوا أن يحفظوا للأمة الإسلامية تراثها الفقهي، والأدبي والحديثي وكل فروع العلم، مثل سلمان بن بشار ونافع مولى ابن عمر، وربيعة الرأي وهو من شيوخ الإمام مالك، مجاهد بن جبر، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، الحسن البصري وغيرهم كثير.
الطبقة الثالثة من الموالى: وهؤلاء هم عامة الموالى، وهؤلاء تحولوا إلى الإسلام بدون أن يعقدوا مع إحدى القبائل العربية عقد موالاة، فبقي ولاؤهم للأمة كله، أي ينتسبون للأمة دون أن تكون هناك مؤسسة اجتماعية يمكن أن تحميهم أو تهييء لهم الارتقاء في المؤسسات السياسية.
ثالثا: أهل الذمة:
الذمة في اللغة:العهد والأمان والضمان،وأهل الذمة هم المستوطنون في بلاد الإسلام من غير المسلمين وسموا بهذا الاسم لأنهم دفعوا الجزية فأمنوا على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم.
كما تمتع أهل الذمة في الدولة العربية الإسلامية بنصيب كبير من الوظائف وقد أيَّد "ويمومبين " هذا الرأي بقوله: إن أهل الذمة احتلوا مكانة بارزة من حياة الدولة الأموية وكثر عددهم في الدواوين والمصالح، وزاد " بارتولد" عليه بأن النصارى والفرس كانوا يقومون ببناء المساجد والقصور.
رابعا: الرقيق:
عَرَّف الفقهاء المسلمون الرِّقِّ بأنه عجز حكمي شُرِع في الأصل جزاءً عن الكفر، وترجع تسميته بالعجز إلى أن الرقيق لا يملك ما يملكه الحرُّ من الشهادة والقضاء وغيرهما أما أنه حكمي فلأن العبد قد يكون أقوى في الأعمال الحسية من الحر.

الحياة العقلية والثقافية لقد تطور الحركة العلمية في العصر الأموي تطورا عظيما ومن ملامح هذا تطور هي

1-نبوغ العلماء في شتى الحقول . 2- ظهور الجدل الديني . 3- ازدهار الحركة الأدبية .

الشعر

التطور والتجديد في الشعر الاموي
الافكار: تميزت الافكار عموما بوضوحها وعدم المغالاة في اخفائها وراء الكلمات. اهم المواضيع كانت الغزل العذري والاباحي والمديح والذم مثل المناظرات الكلامية الشهيرة بين جرير والفرزدق. كما كان هناك عدد من القصائد التي تناولت المواضيع الدينية ، خاصة وان عددا من الشعراء الذين عاصروا بداية الدعوة الاسلامية كانوا لا يزالوا بين الاحياء.
العاطفة: حتى اللحظة لم يختلف الشعراء في رهافة عاطفيتهم وحساسيتها ولا في صورهم عن شعراء العصرين الجاهلي والراشدي فكانت الدافع المباشر الى القول وحددت موقف الشاعر ففتحت الباب الى نفس المتلقي وبعثت القصيدة فيها.
تشكل العاطفة الدعامة الاساسية للقصيدة وتكون أهم من الحقائق والافكار والهدف الرئسي منها اثارة الانفعال في نفوس القراء والسامعين بعرض الحقائق رائعة و تمتاز العبارة بالانتقاء والتفخيم والوقوف على مواطن الجمال كما تكون الصور الخيالية والصنعة البديعية والكلمات الموسيقية مظهر الانفعال العميق فاتت العبارة في القصيدة الاموية جزلة قوية ،اذا عبرت عن عاطفة قوية حية والعمل الأدبي هو صياغة هذه العناصر في وحدة متكاملة ،للتعبير عما يريد الاديب أن يقوله.
في الدراسة الاحصائية تم رصد اسماء 166 شاعرا اموياً كتبوا ما مجموعه 6100 قصيدة فاق عدد الابيات فيها الخمسين الفاً. وتذكر معظم الابحاث ان الشاعر الكميت بن زيد الاسدي كان اكثر الشعراء الامويين عطاءاُ اذ رصد له 701 قصيدة ثم تلاه الفرزدق الذي جمع له 604 قصائد جمعت 7235 بيتاً شعرياً بينما حل في المرتبة الثالثة جرير بعدد 583 قصيدة حوت5640 بيتاً ثم تلاهم كلا من عمر بن ابي ربيعة ومجنون ليلى والاخطل وابو الاسود الدؤلي ومعاوية بن ابي سفيان وولداه يزيد وعبد الله.

عادت في العصر الأموي بعض أغراض الشعر التي حرمها الإسلام بسبب تشجيع الخلفاء الأمويين، من أجل ذم وهجاء خصومهم و التهوين و التقليل من شأنهم .

من أسباب ظهور الشعر السياسي في العصر الأموي، وازدهاره
- قيام الأحزاب السياسية من الأمويين والخوارج والزبيريين والشيعة .
- شدة الصراع بين الأحزاب في سبيل الحكم فصار لكل حزب شعراؤه ،فالأخطل - مثلاً- يدعو إلى بني أميّة، والكميت يدعو إلى بني هاشم ، وعبد الله بن قيس الرقيات ، يدعو إلى الزبيريين ، وقطري بن الفجاءة يدعو إلى الخوارج ، وهكذا..
- أما أسباب ازدهاره : فترجع لقوة الصراع المتصل طوال تلك الفترة ، ومن أمثلته : قصيدة أبي خالد القناني

والذي ساعد على انتشار المدح في العصر الأموي هو الرغبة في عطاء الخلفاء والقادة والحصول على عطاياهم وجوائزهم.

الخصائص الفنية للشعر في العصر الأموي
- الألفاظ جزلة وسهلة وعذبة رقيقة .
- الاعتماد على التصوير رغبة في إبراز الأفكار والمعاني .
- بناء القصيدة كان على طريقة الجاهلين في تعدد أغراض القصيدة .
- الموسيقا : التزم الشعراء نظام الوزن الواحد والقافية الواحدة .
- التأثر بألفاظ القرآن

ظهرت في الشعر الأموي أغراض جديدة وتطورت أغراض أخرى قديمة
- من الأغراض الجديدة "الشعر السياسي": وتمثله قصيدة الفرزدق في مدح آل البيت
- من الأغراض المتطورة " الغزل ": وتمثله قصيدة أبى صخر الهذلي .

اتجه الغزل اتجاهين : اتجاه يسمى الغزل الحضري ، واتجاه يسمى الغزل البدوي العفيف

- الغزل الحضري : وكان يتناول مفاتن المرأة الحسية، وكان زعيمه عمر بن أبي ربيعة، وهو غزل قصصي يحكي مغامرات غراميّة .
- الغزل البدوي العفيف : وقد قام على العاطفة الصادقة، وهذا الغزل عفيف لا يهتم بمظهر الجمال الحسي بمقدار ما يهتم بالعفاف ، ومن شعرائه جميل بثينة، وكثيّر عزّة، وقيس بن الملوح، أو قيس ليلى، وذو الرُّمة وغيرهم

أسباب انتشار الغزل الصريح في العصر الأموي :
- حياة الترف والنعيم التي انغمس فيها الشباب .
- شيوع الغناء في مدن الحجاز وإقبال الناس على مجالسه
- انصراف الكثير من الشعراء عن المشاركة في الحياة السياسية بعد انتقال عاصمة الخلافة إلى الشام

شعر النقائض
هي معركة هجائية شعرية نشبت بين بعض الشعراء أمثال جرير والفرزدق والأخطل، وفيها ينظم شاعر قصيدة في الفخر والهجاء على وزن وقافية ، فيرد عليه شاعر آخر بقصيدة ينقض بها فخره وهجاءه من نفس الوزن والقافية ؛ حتى يظهر تفوقه عليه من ناحية المعاني ، ومن ناحية الفن نفسه .

انتشر شعر النقائض للأسباب الآتية :
- التنافس الشخصي بين الشعراء للحصول على منح الخلفاء والأمراء .
- الانتماء إلى الأحزاب المتصارعة على الحكم .
- تشجيع خلفاء بني أمية لكل ما يشغل الناس عن عيوب حكمهم .
- تلهف العامة على أخبارها للموازنة بينها ، ولشغل أوقات فراعهم .
أهم وأشهر شعراء النقائض :
الفرزدق - جرير - الأخطل

لشعر النقائض عيوبه ومحاسنه
أولاً : عيوبه :
- إحياء العصبية القبلية التي قضى عليها الإسلام .
- التفاخر بالأحساب والأنساب .
- الهجاء اللاذع الفاحش الخارج عن روح الإسلام .
ثانياً : محاسنه :
- أفادت النقائض اللغة والأدب بما فيها من أساليب جديدة وثروة لغوية
- كانت سجلاً تاريخياً لكثير من الوقائع والعادات في العصر الأموي .
- ساعدت على اهتمام النقاد وعلماء اللغة بدراستها للموازنة والمفاضلة بينها .

نماذج من قول جرير الذي يهجو الفرزدق
فغض الطرف انك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا

لقد ولت ام الفرزدق فاجرا وجاءت بوزواز قصير القوائم
وما كان جار للفرزدق مسلم ليا من قردا ليله غير نائم

هجاء الفرزدق لجرير
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه اعز واطول
بيتا بناه لنا المليك وما بنى حكم السماء فانه لاينقل
بيتا زرارة محتب بفنائه ومجاشع وابو الفوارس نهشل

النثر

نتوع النثر في العصر الاموي أنواع كثيرة منها: الخطابة والرسائل والعهود والمواثيق والوصايا وأما الخطبة فقد ازدهرت وأصبحت البوق الاعلامي للدولة الاموية وخصومها على السواء. وقد احتلت الخطابة مركزاً مرموقاً في هذا العصر بسبب:
- تعدد الأحزاب السياسية والفرق الدينية .
- كثرة الفتن والاضطرابات .
- امتداد الفتوح الإسلامية واتساعها.

وقد تنوعت الخطب في العصر الأموي فكان منها خطب دينية : كخطب الوعظ والإرشاد لبيان أحكام الدين وشرائعه وكانت تلقى في صلاة الجمعة والعيدين والحج، وخطب حربية : و هي التي تلقى في القتال لتحميس الجند وتشجيع المقاتلين ، وخطب سياسيــة : التي كانت تتناول شئون السياسة والحكم ، وخطب اجتماعية : وكانت تلقى عند اجتماع الناس في محافلهم ومناسباتهم (تهنئة – تعزية).

وأما النوع الثاني من النثر الذي قد ازدهر في العصر الأموي هو الكتابة، وقد ارتفع شأن الكتابة في هذا العصر للأسباب الآتية :
- اتساع رقعة الدولة .
- ازدهار الرسائل الإخوانية .
- امتزاج الثقافات العربية بالأجنبية .
- ظهور طائفة من الكتاب الذين عملوا في ديوان الرسائل (عبد الحميد الكاتب).
- حاجة الخلفاء إلى مكاتبة الولاة والقادة مما ترتب عليه ازدهار أدب الرسائل العامة والخاصة

الخصائص الفنية للكتابة في العصر الأموي

- بدايتها بذكر اسم الله وتمجيده والصلاة على نبيه .

- الاهتمام بتفخيم العبارة وتجويد اللفظ .

- تجنب الكتاب التعقيد .

- الاستعانة بالتشبيهات من الشعر والأمثال والحكم .

- التأثر والاقتباس من آيات القرآن